الشعر مختلف عن النظم، والرسم مختلف عن الشخبطة، وكذلك الرواية هى كيان مختلف تمام الاختلاف عن الثرثرة والرغى، أما ما يسمى «روايات الخيال العلمى» فهى فن مختلف كلياً فى الشكل والمضمون عن الهلاوس! وللأسف قرأت من باب الفضول والمازوخية العمل المسمى «رافى بركات» للدكتور عمرو خالد الذى أطلق عليه صفة رواية وهو أبعد ما يكون عن الرواية أو حتى الحكى أو حتى حواديت ما قبل النوم وأقرب ما يكون إلى الهلاوس السمعية والبصرية وضلالات الشيزوفرينيا! ليست هذه قسوة نقدية ولكنها رصد لظاهرة فرض أشكال فنية بالعافية من خلال الـ«أوت دورز» وليس من خلال الإبداع الفنى، وفى نفس الوقت إنقاذ للمؤلف من العيش فى وهم أنه كاتب روائى، إلا الفن يا مولاى. من الممكن المجاملة فى أى شىء إلا الفن، الناس كانت معجبة بالشيخ الشعراوى والبابا شنودة، لكن هذا الإعجاب لم يمتد إلى قصائد الشعر التى كتبها الشيخ أو البابا، ذلك برغم أن الشيخ الشعراوى كان ضليعاً فى اللغة العربية والبلاغة، وكذلك البابا كان عاشقاً لكتابة وقراءة وحفظ دواوين الشعر العربى كله، إلا أن هذا لم يشفع لهما لأن شعرهما كان نظماً افتقد روح الفن الحقيقى، مهما كانت القيم الأخلاقية التى أرادها الشيخ والبابا فى القصائد، إلا أن المتذوقين قالوا: إلا الفن يا مولاى، سنختار ونحب قصائد نزار قبانى ومحمود درويش ونجم والماغوط مهما وصفتموهم ونعتموهم شخصياً وأخلاقياً، لأن معيار الحكم عندنا هو ما نقرأه، هل هو فن أو لا فن؟ لا بد أن يتعلم كل من يتصدى لعمل فنى أن تقييمه ليس بأخلاقية الموضوع ولا بنبله ولا بكمية المواعظ المحشورة فيه ولكن بقيمة الفن الذى هو سحر مراوغ وشعلة نار مقدسة لا يمنحها الله إلا للموهوبين، كان هذا ضرورياً لكى نحسم مسألة أن نية الداعية عمرو خالد كانت أن يكتب عملاً فنياً أخلاقياً ينقذ به شبابنا، أقول له: للأسف، لم يكن عملك فنياً، وإذا أردت التعبير فلتعبر بمقال أو بموعظة برامجية، لكن أرجوك ألا تقترب من محراب الرواية، فالروايات ليست بالنيات. فى محاولة ساذجة لاستنساخ «دان براون» حاول عمرو خالد كتابة «رافى بركات» فلم يصل إلى «دان براون» بالطبع ولا وصل حتى إلى مستوى المغامرين الخمسة التى كانت بالمناسبة أكثر إحكاماً وكنت أحبها طفلاً. وفرق شاسع بين تداعيات مريض بارانويا فى مستشفى العباسية وأفكاره المتطايرة المتناثرة flight ideas التى لا رابط بينها ولا منطق فيها وبين روايات الخيال العلمى. أترك لكم الحكم بعد قراءة «رافى بركات»، إلى أى صنف ونوع ينتمى هذا العمل؟ مع كامل الاحترام لنية المؤلف الطيبة.. «رافى بركات» ابن الـ14 سنة الذى يمتلك قدرات خارقة وقوى خفية ومنها أنه يستطيع النظر فى عينى الذئب فيُخضعه ويعرف من سرق خزينة المدرسة وهو يلعب فى الحوش!! مات أبوه وأمه فى حادث سيارة فانتقل إلى رعاية عمه الظالم المستبد الذى يريد بيع أرض والد «رافى» الرملية التى سقطت عليها النيازك فغيرت طبيعة الرمال فيها فصار من الممكن أن تُصنع منها شريحة تفجر بها المبانى والشوارع والجبال!! يذهب رافى لمركز تنمية بشرية يُظهر القوى الخفية الكامنة مثل التخاطر عن بُعد والاحتفاظ بدرجة الحرارة فى الصقيع وكتابة الإيميلات وإرسالها بمجرد التفكير والتركيز، يذهب مدفوعاً بنبوءة «بهلول»، عبيط القرية، الذى يقول له: الإنسان بدون مهمة حاجة تشبه الغوريللا!! تدفعه هذه الحكمة البليغة مع موعظة الشيخ سالم الجليلة إلى تكوين فريق عمل لاقتناص الأرض من عمه المستبد، ويبدأ بالقبض على «إدريس» السائق الذى فك فرامل سيارة أبيه، ثم يذهب إلى الهند لاكتشاف سر العالم «جامشيد» الذى كان يشك فى أنه قاتل أبيه فيصل إلى السر الرهيب، وهو أن قاتل أبيه هو صديق والده الذى كان يثق فيه «رافى» وسافر معه إلى الهند، وبالطبع ينقذ رافى الهند كلها من تدمير رمزها السياحى «تاج محل» بشريحة أرضه الرملية السحرية التى وضعها المجرم المسمى «المايسترو» أسفل المبنى فتشكره الداخلية الهندية والرئيس الهندى والبرلمان الهندى، ثم يعود «رافى» لاسترداد أرضه من براثن عمه وبناء مدرسة فى قريته ليعيش فى التبات والنبات استعداداً لخلفة الصبيان والبنات الذين سيخدمون مصر ويغنون «ماشربتش من نيلها واتمرغت فى أرضها الرملية»!! بالطبع هناك أحداث كثيرة تدخل فى باب التخاريف والترهات والاستظرافات التى تسمى «نكاتاً» من أحد أبطال الرواية واقتباسات من مواقع الإنترنت ومسابقات منقولة من كتب المسابقات اللبنانية الـ«تيك أواى»... إلخ، مما يجعل الكتاب وكأنه كتب أثناء جلسة زار!! لا أريد أن أتعب أعصاب القراء بمزيد من أحداث الرواية، ولكنها باختصار عمل ردىء ركيك ممل خال من أى بصمة أو أسلوب أو حتى فكرة. يا دكتور عمرو خالد، النوايا الحسنة لا تصنع روايات، والطريق إلى الجحيم مفروش بالروايات الرديئة!!